كتابة السيناريو : المقدمة والنتيجة - Setup and Payoff - KDM Blog
مدونة المهند الكدم تهتم بالفنون و الإلهام و صناعة الأفلام
فن , فنون , الهام , صناعة أفلام , سينما , تصوير , رسم , موسيقى , تصميم , فلوق , تدوين , الثقافة , الفنون , هيئة , المهند الكدم , وزارة الثقافة , هيئة السينما , الفنون
16244
rtl,post-template-default,single,single-post,postid-16244,single-format-standard,bridge-core-2.4.8,qode-listing-3.0.2,qode-lms-3.0,ajax_fade,page_not_loaded,,qode-title-hidden,qode-child-theme-ver-1.0.0,qode-theme-ver-23.3,qode-theme-bridge,qode_header_in_grid,wpb-js-composer js-comp-ver-6.4.0,vc_responsive,elementor-default,elementor-kit-16377

كتابة السيناريو : المقدمة والنتيجة – Setup and Payoff

هذا المقال من كتابة الصديق المثنى كتبي وهو مخرج سينمائي وكاتب قصص درس في جامعة كولومبيا بنيويورك ، بامكانكم متابعته على سنابشاتتويتر و انستغرام

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة والنتيجة – Setup and Payoff

يُعد السيناريو هو الركيزة الأساسية والأكثر أهمية لأي فيلم، إذا لا يمكن لأي فيلم أن ينجح من دون نص مميز ومتماسك يؤديه الممثلين بدورهم بطريقة مقنعة ومميزة.

كل قصة تبدأ بفكرة، والأفكار بحاجة إلى أن تُختبر، وتُبعثر، ويُعاد صياغتها مراتٍ عِدّة حتى تُصقل وتصبح جاهزة لتنفيذها، وحينها تتحول من مجرد فكرة إلى تحفة فنية رآئعة يُحتذى بها في كل مكان.

وهنا سأتحدث عن إحدىالأدواتالهامة لكتابة قصة محبكة ومتماسكة بشكل جيد، ورُبما كانت أحد هذه الأداة هي أهم الأدوات على الإطلاق في عالم السينما وكتابة السيناريو.

يُعد الكاتب والمؤلف المسرحي الروسي Anton Chekhov أحد أهم مؤسسي علم الرواية وبناء القصة الدرامية في أواخر القرن الثامن عشر.كان شيكغوف يؤمن بشدة بأهمية الحبكة الدرامية للقصة

، وأنه لابد للقصة من هيكلة بنائية صحيحة وقواعد واضحة تمشي عليها لإنتاج قصة مُحكمة ومتكاملة. وبسبب صرامته أُطلقت على قواعده بـ (  مسدس سيكغوف / Chekhov’s gun ) لدقتها وأهمية الإلتزام بالطريقة البنائية الصحيحة لها حتى تصبح القصة الفنية جميلة وذكية.

كتب شيكغوف الكثير من القواعد والأساليب لبناية القصة، وهنا سنتحدث عن واحدة من هذه القواعد ( المقدمة والنتيجة ).

يقول شيكغوف في أواخر 1889:

Remove everything that has no relevance to the story. If you say in the first chapter that there is” a rifle hanging on the wall, in the second or third chapter it absolutely must go off. If it’s not

going to be fired, it shouldn’t be hanging there ”

أَزِل كل شيء ليس له علاقة بالقصة، فإذا أظهرت في بداية الفيلم أن هناك بندقية معلقة على الحائط، فإنه في منتصف الفيلم أو نهايته يجب أن تُستعمل، فإذا لم تكُن لتُستعمل، فلا مُبرر من وجودها معلقة هناك.”

شرح الفكرة بشكل عام :

على الصعيد العام، المقدمة والنتيجة هو أن تقوم بوضع مشهد يحوي معلومات تبدو عابرة وغير مهمة في قصتك، ولكنها فيما بعد يتضح أنها مهمة جداً ولها دور كبير في تغيير أحداث القصة.

فمثلاً في فيلم Zootopia — الذي أنتجته استديوهات Pixar والذي فاز بالأوسكار كأفضل فيلم رسومي طويلحين كانت الأرنب جودي تقوم بعملها الطبيعي في كتابة مخالفات مواقف السيارات، فجأة رأت نسجاب وقد سرق حقيبة، فبدأت باللحاق به في محاولة القبض عليه، دخل السنجاب السارق إلى مدينة الفئران، وهناك حتى يهرب من الأرنب ضرب بقدمه على مجسم لدونت عملاق، فتحدرجت حتى كادت أن تسقط على مجموعة من الفئران الإناث، ولكن جودي أمسكت بها، ثم قبضت على السنجاب.

وبعد العودة لمتابعة أحداث الفيلم، وفي خضم التشويق والإثارة والأحداث في معرفة ما إذا كانت الشرطي جودي ستلقي القبض على السنجاب أم لا، ساعدت جودي عدَّة فئرانولم يكن هذا هدفها من الأساسولكن بعد ذلك، وحينما كانت تبحث عن المفقودين من الحيوانات مع صديقها الثعلب نِك، إلتقت بعصابة كادت أن تقتلهما معاً، لولا أنه فجأة ظهرت ذات الفأرة التي أنقذتها جودي والتي تبينت أنها ابنة زعيم تلك العصابة، فأنقذت حياتهم، وساعدوهم في إيجاد الحيوانات المفقودة.

مساعدة جوديالعابرةللفأرة كانت المقدمة، وإنقاذ الفأرة لجودي من عصابتها هو نتيجة لتلك المساعدة العابرة.

إن استعمال المقدمات والنتائج بشكل جيد يعطي لقصتك بُعداً آخر، فهو يُشعرك بالعُمق كما يجعل المشاهد يشعر وكأن كل شيء قد تم كتابته بالتفصيل ولسبب معين ووجوده في غاية الأهمية ولم يكن محض صدفة، مما يجعل القصة متماسكة جداً ومتكاملة.

إن المحور الرئيسي في القصة الدرامية هو التغيير، فنرى خلال أقوال الشخصيات والتجارب التي مرُّو بها كيف تغيرو، وكيف استفادو وتعلمو من التجارب والمواقف السابقة التي تعرضو لها خلال رحلتهم، واستعمال قاعدة المقدمات والنتائج له كبير الفضل في إظهار آثار تلك العثرات والخبرات وتشكيل التغيرات على الشخصيات وماذا اكتسب خلال رحلتها..

فمثلاً في فيلم البحث عن نيمو للمخرجين   Andrew Stanton و Lee Unkrich ومن انتاج استديوهات بكسار ، عندما جاءت البنت إلى طبيب الأسنان لتأخذ نيمو من حوض السمك، حاول الطبيب إخراج نيمو من الحوض باستعماله شبكة صغيرة، ولكن ما هي إلا ثوانٍ حتى جاء أصدقاءهوعامو للأسفلحتى تثقُل الشبكة في يد الطبيب ويهرب نيمو.

وفي مع نهاية الفيلم تعلق دوري ومجوعة كبيرة من الأسماك بشباك الصيادين الضخمة، فيصرخ نيمو: لدي فكرة! ثم نراه وقد دخل داخل الشباك وطلب من الجميع أن يعومو للأسفل، وفعلو ذلك حتى انقطعت الشباك وهربو. تعلم كيف تفعله.

مساعدة أصدقاءه له في حوض السمك كانت المقدمة التي تعلم منها نيمو درسه، ومساعدة لدوري في النهاية كانت (النتيجة)

 

هذا على الصعيد العام، أما على التفصيل، فإن قاعدة المقدمة والنتيجة أعمق من مجرد حدث ثم يرتبط بشيء ما أو من مجرد تغيرات تطرأ لدى الشخصيات وحياتها، وحتى ندخل إلىقلب القاعدةونعرف الأصل من إيجادها ومعناها سننظر إلى حلقة من مسلسل عائلة سيمبسون (The Simpsons) ونحللها ..

في بداية الحلقة أظهر (مِل هاوس) –صاحب الشعر الأصفرلصديقه (بارت) –ذو الشعر الأرقكرة سوداء تحمل الرقم ثمانية والتي اشتراها له والده وقال له بأنها تتنبأ بالمستقبل، طرح (بارت) على الكُرة عِدَّة أسئلة وأجابت بأنه و مِل هاوس سيتشاجران لن يبقو أصدقاء مع نهاية اليوم..

بعد ذلك بفترة قصيرة في المدرسة أُعْجِب مِل هاوس بصديقته الجديدة (سمينثا) وأحبها، مما قل اهتمامه وحديثه إلى صديقه بارت، وعليه أصبح بارت عصبياً وبدأ يبتعد عنه..

وبعد فترة بسيطة يظهر والد سمينثا ليأخذها وينقلها إلى مدرسة جديدة مخصصة فقط للفتيات.

يشعُر مِل هاوس بالأسى على فعله، ويأتي بارت ليحدثه ويسأله عمَّا جرى بينها، يغضب مِل هاوس ويتشاجر مع بارت، وخلال الشجار أمسك بارت بالكُرة العجيبة وضرب بها مِل هاوس على رأسه فتحطمت وهدأ كلاهما، ثم عادا أصدقاء من جديد.

المقدمة كانت بداية حديث مِل هاوس عن كرته العجيبة وتجربة بارت لها لمعرفة فعاليتها واكتشاف جواب السؤال، والنتيجة هي الصراع بينهم عندما حطم بارت الكرة العجيبة ماحياً بذلكتعويذتهاأثرها السلبي، فعاد الوضع طبيعي إلى سابق عهده، وعاد الاثنين أصدقاء.

إن الأمر أشبه بدائرة ..

فالحديث المُسالم بينهم عن الكرة العجيبة ونتيجتها نقل بأحداث القصة إلى صراع وأثار المشاكل فيما بينهم، وبتحطيم الكرة انتهى العِراك والشجار بينهم وعاد السِّلم مرة أخرى.

كان من الممكن من كاتب القصة أن يجعل بارت يضربه مِل هاوس بأي شيء آخر من الأدوات التي كانت على الأرض، ولكن بجعله يضربه بالكرة العجيبة تحديداً; أصبح الفيلم كما لو أنه يدور في دائرة وقد تم أخيراً إغلاقها من جديد بنفس الطريقة، وهذا هو مضمون قاعدة المقدمة والنتيجة.

لنأخذ مثالاً آخراً هذه المرة، فيلم Inside Out

الفيلم من إنتاج شركة بكسار وفاز بالأوسكار كأفضل فيلم رسومي طويل عام 2015

يتحدث الفيلم عن مشاعر الفرح (Joy) الحزن (Sadness) الخوف (Fear) الاشمئزاز (Disgust) والغضب (Anger) حيث تمثل هذه المشاعر الخمسة الأحاسيس وردات الفعل التي تحدث في عقل فتاة صغيرة تدعى رايلي (Riley). حين بلغت رايلي الحادية عشرة اضطرت ووالديها للانتقال إلى ولاية سانفرانسسكو، فتحدث اضطرابات في مشاعرها وأحاسيسها بسبب ذلك الانتقال المفاجئ..

يحدث اشتباك وشجار بين الفرح والحزن بسبب الكرات ذات الذاكرة المضيئة طويلة الأمد، فالفرح لا تريد للكرات أن تتحول للون الأزرقالحزنوبسبب الشجار يتم سحب الفرح والحزن إلى ذاكرة رايلي العشوائية، وهناك تبدأ رحلة الفرح والحزن في إيجاد طريق للعودة، ويتضح في نهاية الأمر أن الحزن شعور مهم في الحياة، وعلينا أحياناً أن نتجاوز صعابنا بقوة الحزن، فتعطي الفرح الكرات الصفراء للحزن وتتحول للون الأزرق، وبعدها تستعيد رايلي نشاطها وتتفهم مشاعرها وتتصالح معها، وينتج عن ذلك ألوان جديدة من الكراتأنواع جديدة من المشاعر

بسبب الكُرات الصفراء المُشعة حصل الشجار بين الفرح والحزن، وهذا أدى بحال الفيلم من الهدوء والسِّلم إلى بداية الصراع المغامرة، ثم بسبب إعطاء الفرح للحزن الكُرات الصفراء المُشعة تحول حال الفيلم من الصراح والمغامرة إلى السِّلم والهدوء مرة أخرى. مُشكلاً بذلك دورة حياة متكاملة ونهاية مُرضية للقصة.

وهذا هو قلب هذه القاعدة; كيف تتحول وتتغير الشخصيات والأحداث من حال إلى حال آخر، ثم يعود لحالته الأولى بعد معركة ورحله تخوضها الشخصيات في الفيلم تتغير معها أفكارهم وينضج فهمهم وخبراتهم.

 

مع مرور الوقت وخلال تطور قواعد الكتابة للقصة الدرامية، تطورت قاعدة المقدمات والنتيجة، وأصبحت تعرف مؤخراً في أمريكا بقاعة الأثلاث The Rule of Thirds

والتي تقول بأن الحدث يبدأ أولاً بمقدمة له لجذب الإنتباه إليه، ثم تذكير المشاهدين به مرة أخرى تأكيداً عليه، ثم إظهار نتيجته.. فهو إذاً يتكون من:

١مقدمة     ٢تذكير     ٣نتيجة

والأمر في هذا مرتبط بالمدة الزمنية للحدث; فإذا كانت فرق الزمن بين المقدمة والنتيجة كبيراً فإنه يتم إضافةمشهد تذكيرلإبقاءه حاضراً في ذهن المشاهد وتذكيره بأهمية هذا العنصر واستمراريتها في القصة، بينما إن كانت المدة بين المقدمة والنتيجة قصيرةكفيلم قصير مثلاًفإنه ليس بحاجة إلى التذكير، لقصر الوقت بينهما ولقرب ذلك الحدث في ذهن المشاهد.

فعلى سبيل المثال، في فيلم Inside Out عندماكانتالفرحتحاول إلهاءالحزن  حتى لا تصبح الطفلة رايلي حزينة، طلبت الفرح من الحزن أن تقرأ كتابالمتاهة العشوائيةالموجودة في رأس رايلي. وما هي إلا دقائق قليلة حتى بدأ الصراع، وتم سحب الفرح والحزن إلى ذاكرة رايلي العشوائية، وهناك تذكرت الفرح بأن الحزن قد قرأت متاهة رايلي العشوائية، فاستعانت بها للإستدلال على طريق الخروج.

(لاحظو أنه لم نحتاج إلىتذكيرهنا، لأن المدة بين إعطاء الفرح الكتاب للحزن وبين سحبهم إلى ذاكرة رايلي كان قصيراً جداً، فالحدث إذاً لا يزال حاضراً في ذهن المشاهدين)

بينما منع الفرح الحزن من لمس الكرات الذهبية بقي مستمراً إلى نهاية الفيلم، فلما كانت نتيجة هذه المقدمة متأخر جداًفي نهاية الفيلمكانت هناك الكثير من المشاهد والعبارات لتذكر المشاهد بأن هذا أمر مهم في القصة.

كمشهد قول الفرح للحزن: “فقط تذكر أن لا تلمس الكرات مرةً أخرىولا تلسمها! ألا تتذكر؟! إن لمستها ستصبح الكرات زرقاء حزينة! “

مثال آخر، في فيلم Mad Max Fury-Road

بالإضافة إلى الدملما كان حذاءماكسهو الرابط بينه وبيننكس”.

عندما فقد ماكس حذاءه في الحرب، وبعد أن أَفَاق واستعاد قوته وخرج من تلك المعركة ذهب مباشرةً لـ نكس وأخذ حذاءهمعلناً عداوته وكرههوفي نهايات الفيلم بعد أن أصبحا صديقين أعطاه حذاءً آخر معلنا تضامنه معه.   

فقدان ماكس لحذاءه في الحرب كانت المقدمة، وفي أخده لحذاء نكس كان التذكير، ثم نهاية الأمر جاءت النتيجة عندما أعطى ماكس لنكس حذاءً آخر.

 

إن هذه التفاصيل التي قد تبدوا للبعض صغيرة بعض الشيء إلا أنها تُقعد القواعد وتبني أسس ذلك العالم حتى يصبح ذلك العالم عالمٌ مقنعاً للمشاهد كما الشخصيات التي تعيش فيه..

إن رؤية سيارة طائرة تُحلق من نافذة البيت يعد أمراً مضحكاً وغير واقعي مطلقاً، إلا أنه في أفلام السحرة كهاري بوتري بوتر يعد أمراً عادياً جداً ومتقبلاً في ذلك العالم المليئ بالعجائب، وذلك لأن هناك جزء كامل قبل ذلك كان يضع القواعد ويبرر وجود ذلك العالم وكيف تمشي القواعد عليه..

 

هل سبق ومرت بكم كلمة VERISIMILITUDINOUS ؟

كلمة verisimilitudinous معناهامُحاكاة للواقع

من المهام الرئيسية لكاتب السيناريو والمخرج في الأفلام الروائية هو محاكاة واقع افتراضي وإقناع المشاهدين بواقعيته قدر المستطاع، حتى يصدقوا سير القصة وأحداثها.. المشاهد يعلم مُسبقاً أن ما سيشاهده عبارة عنفيلموليس حقيقة، لذا فإنه من المهم وضع أسس وقواعد واضحة لذلك العالم (الزمان، المكان، الكائنات فيه، طريقة الحديث، والملابس، التنقل، والحديثالخ). وكلما كانت التفاصيل متقنة كلما زاد ذلك العالم واقعية ومصداقية وعاشه المشاهد بدهشة وتفاعل كبير. واستعمال قاعدة المقدمة والنتيجة تعد أحد أفضل الطرق وأكثرها انتشاراً وشهرة لدى كتاب السيناريو المتميزين.

من الأمثلة لاستخدام قاعدة المقدمة والنتيجة في بناء العالم:

في فيلم ماكس المجنون، استخدم كاتب السيناريوبخاخ الصدأللدلالة على جنون نكس وأصدقاءه واستعدادهم للقتال حتى الموت، ظناً منهم أنهم يحييون بعد الممات.

فعندما أطلق أصدقاء فيريوسا السهام على صديق نكس وأصابه السهم في رأسه، سكتت الموسيقى وهدأ الصوت، وأصبح الكل ينظر ويشير إليه وكأنه يقول: شيء مهم سيحدث الآن … 

وبعد لحظات قليلة، شاهدناه وهو يخرج بخاخ الصدأ ويرش فيه على فمه، والكل يحييه ويعلمون أنه مستعد للقتال حتى الموت وأن حياته لا تعني شيءفهو على كل حال سيولد من جديد بعد موتهثم يفجر نفسه.

فيديو للمقطع:

وبعد عدة دقائق من هذا الحدث، اشتدت الحرب، ودخل ماكس ونِكس وسط عاصفة الغبار، وكان نِكس متحمس جداا للمشاركة في هذه الحرب وعلى أعلى رغبة في القتال، وفجأة في شدة العاصفة نراه يخرج بخاخ الصدأ !

فيعلم ماكس أنه في خطر، وأن نِكس الآن قد جُن ومستعد للموت، وفجأة نراه وقد فتح خزان البنزين وتركه يملئ مركبته حتى ينفجر بها ! وعندها يخرج ماكس كل طاقته وقوته في محاولة للهروب والخلاص من جنون نكس.

  

وبعد أن نجى ماكس وتحطمت المركبة، وبعد أن أفاق نِكس وعاد إلى زعيمه وأخبره بحماسته ورغبته في الانتقام، أعطاه مسدس ورش على فمه من بخاخ الصدأ، فعلمنا تماماً ماذا سيحدث في ذلك العالم وكيف تتحرك قواعده..

لعلكم لاحظتم الآن كيف أن تلك التفاصيل الصغيرة هي من كانت تقود الفيلم نحو الحقيقة وتحوله إلى واقع حقيقي ملموس ومُبرر لمعيشة تلك الشخصيات وعوالمه.. واستعمال قاعدة المقدمات والنتيجة بالتتابع والتسلسل كفيل بخلق واقع تعيش وتنسجم فيه تلك المخلوقات مع عالمها، وبالتالي تزداد إثارته ومصداقيته وتقبله من قبل المشاهد.

 

إن السينما لغة كبيرة، حيث تتشارك فيها الكتابة الإبداعية، بالصورة البصرية المذهلة، والملابس، والديكور، والألوان، والمونتاج والهندسة الصوتية والمكسجة كلها في رواية القصة وإخراجها بشكل النهائي. فكل فرد متخصص في فنه يساعد برواية القصة بطريقته وأدواته، فيضفي إليها سحراً وبُعْداً إبداعي جديد.

وهنا سنتطرق لكيفية استعمال أصحاب هذه الفنون لقاعدة المقدمات والنتيجة في رواية القصة:

مثال 1 : استعمال القاعدة في التصوير السينمائي وبناء اللقطات:

في فيلم The Girl with the Dragon Tattoo والذي يحكي قصة تحقيق في جريمة قتل واختفاء غامضة، كنت الفتاة إليزابيث تحاول استعادة الوصاية على أمواها وممتلكاتها، ولكن محاميها كان يمنعها حقها ويهينها..

ولما كانت للمحامي القوة والسيطرة والتحكم كانت الكاميرا عليه، فهو من تسلط وقَلَب الأحداث ضد الفتاة ومنعها حقها، فكانت هذه اللقطة هي المقدمة.. يظهر المحامي في كادر مقلوب كونه المسيطر على حقها وله القوة.

ولما كثرت إهانته وظلمه للفتاة، قررت هي أن تقلب الطاولة رأساً على عقب، وتتمرد عليه وتستعيد حقها.. حين إذٍ ظهرت هذه اللقطة (لقطة رأساً على عقب) والتي كانت بمثابة النتيجة معلنةً بها انقلاب الحال لصالحها هذه المرة.

فيديو للمقطع:

مثال 2 : استعمال القاعدة في المكساج الصوتي:

في فيلم ماكس المجنون، عندما استيقض ماكس من غيبوبته بعد العاصفة الترابية، كانت إبرة الدم لا تزال متصلة في جسده، وبسبب اضطراباته النفسية وتذكره للماضي وضيق التنفس الذي سببته الإبرة أصبح يستمع ويحس بصوت قلبه ويشعر برئته وهو يتنفس بضيق..

استمعل مهندس الصوت هنا low-pass filter، وهو نوع من أنواع الفلاتر التي تستخدم لقطع/حذف ذبذبات معينة من الصوت.. وهنا سمح مهندس الصوت في المكساج للذبذبات المنخفضة فقط بالظهور والاستماع إليها وحذف كل ما عداها.. وهو ما أدى إليه شعور ماكس المضطرب في حالته..

ربما لم يكن جلياً أن هذه كانت مقدمة لشيء ما سيتم إظهاره فيما بعد ومعرفة نتيجته، ولكن النتيجة جاءت في أواخر الفيلم، عندما تأثرت فريوسا بجراحها وفقدت وعيها، قام ماكس بأخذ سكين وطعنها في رئتها لتتنفس ويظهر ذلك الصوت low-pass باستعادتها للقدرة على التنفس مرة أخرى..

فيديو للمقطع:

مثال 3 : استعمال القاعدة مجازياً:

ولأن السينما لغة شعرية، يمكن استعمال قاعدة المقدمات والنتيجة بطرق مجازية.

ففي فيلم Manchester by the Sea عندما ذهب باتريك لرؤية جثة والده في ثلاجة الموتى لم يتحمل نظرة واحدة حتى غادر الغرفة.. (المقدمة).

وفي منتصف الفيلم عندما فتح باتريك ثلاجة البيت للبحث عن طعام، وحين وقعت عيناه على جلد الدجاج، شعر بالخوف والرعب وتذكر والده الذي رآه حين ذاك بنفس الطريقة. (نتيجة).

 

عدم استعمال القاعدة والتبرير للوقائع والأحداث لأجواء القصة وأحداثها بشكل صحيح يثير استغراب ودهشة حتى الشخصيات في الفيلم، فمثلاً عند رؤية بداية فيلم jurassic park حديقة الدينصورات، يبدوا الفيلم في بادئ الأمر على أنه فيلم تاريخي توثيقي.. كما في الصورة أدناه من أول لقطات بداية الفيلم..

وبعد ذلك عندما رأى البطل الدينصورات لأول مرة، والتي لم يكن على علم بماهية هذه الحديقة، بقي مستغرب ومنذهل لفترة طويلة فقط وهو يحدق ويتسائل عن السبب (الغير منطقي) له، وكذالك من باب أولى المشاهد اللي ما صدق وصُدم بماهية الفيلم!

وبسبب هذه الامنطقية استغرق المخرج والكاتب أكثر من 40 دقيقة من الفيلم فقط في الشروحات وتبرير إمكانية خلق هذه الحديقة ووجودها الفعلي.. وهذا أخذ جزء كبير جداً من وقت الفيلم، كل هذا حتى يستطيع المشاهد يستوعب القصة والعالم قبل الشروع في خوض مغامرة داخله..

استعمال هذه القاعدة ودمجها مع الفكرة يولد إيقاع الفيلم، وكل فيلم يحتاج إلى ايقاع مناسب يزن ويتناسب مع القصة اللي يطرحها.. ولأن وجود دينصورات في القرن الحالي أمر مستحيل احتاج الفيلم لتبطئة الإيقاع كثيير، قبل البدأ في القصة. لذا فاستعمال قاعدة المقدمات والنتيجة يؤثر جداً ليس فقط على هيكلة القصة وبنائها، وإنما في الطريقة التي يروى بها والمدة اللي يحتاجها كل فيلم حتى يروى بطريقة تتناسب معه.

 

إن قاعدة المقدمات والنتيجة من أهم القواعد للغة سينما عالية، واستعمالها بطريقة صحيحة ومدروسة يجعل الفيلم يظهر محكماً ومتماسكاً بقوة من بدايته ومروراً بمنتصفه إلى نهايته.. ولها تفرعات كثيرة جداً، وتصل في بعض الأفلام إلى تعقيدات متشابكة ومذهلة، فقد تأتي أحياناً المقدمة بعد النتيجة، والنتيجة قبل المقدمةالسؤال قبل الإجابة، والإجابة قبل السؤالوأحياناً يكون هناك أكثر من نتيجة لمقدمة واحدة، أو يكون هناك عدة مقدمات لنتيجة وحيدة.. ولكن معرفة مبادئها العامة وطرق كتابتها والإستفادة منها أثناء الكتابة وبالمممارسة ستصبح كتابتك أفضل وأقوى، وتصبح قصَّتك مُحكمة، أكثر تصديقاً وذكاءً.

تمرين:

فكر فيما سيحدث في نهاية قصتك، ثم ضع في بدايات الفيلم أو في منتصفه مشاهد مرتبطة بتلك النهاية..

فمثلاً: لو أن أحداث قصتك تدور حول محقق يكتشف مكان المجرم أو اللص، دعه في بداية القصة يتورط بالدخول مع طفله الصغير الذي يبكي إلىتور/لفة سياحيةبالباص ذو الطابقين، ومن هناك يشاهد المحقق صدفة مكان القاتل أو مخبئه أو معلومة تدل عليه.. لن يعبئ بها المحقق في الحال، ولكنها في نهاية الفيلم ستلعب دوراً كبيراً في حل قضيته والقبض على اللص وإعادة كل شيء إلى طبيعته.

تمنياتي لكم كتابة مليئة بالمتعة والفائدة، وابتكار قصص وحكايات رآئعة تُظهر ثقافتنا العريقة وتراثنا الجميل والمليئ بالقصص التي يستحق للعالم أن يراها عنَّا.. دمتم بخير.

المثنى كتبي

ألهم غيرك !
1 تعليق على هذا الموضوع

ضع تعليقاً

إظهار
إخفاء